نقدي لحزب النهضة


بعد إنتهاء الإنتخابات التونسية الأولى و التي لم اشارك فيها لقناعات شخصية قد تحدثت عنها سابقاً و ليس كحل أو وسيلة مقاومة...قررت الإبتعاد عن التدوين بخصوص الشأن التونسي لفترة معينة إلى أن ينطلق المجلس التأسيسي في عمله و كانت رسالتي للتونسيين يوم 24 أكتوبر بأن المشكل ليس لمن صوتت يمين يسار أو قاطعت الإنتخابات،المشكل الحقيقي هو نسيان اختلافات الفترة الإنتخابية و تقبل كل النتائج كما هي لمواصلة المسار نحو تحقيق أهداف الثورة و أن لا تكون الإنتخابات "حربوشة 2011" لكن على العكس فقد أصبحت تونس مقسمة بين الإسلاميين و الحداثيين و تفاقمت الخلافات و الصراعات الداخلية أكثر ...و في هذه التدوينة سأقدم انتقادي لحزب النهضة ليس لأنه الحزب الوحيد المخطئ بل بالعكس كل الأحزاب مساهمة في هذه الأزمة لكن لأنه الحزب الفائز بالإنتخابات و المسيطر على المجلس التأسيسي و كذلك لأنه الحزب الوحيد حالياً في تونس الذي سيعكس المشروع الإسلامي

التربية الحزبية للنهضة :
أولاً سأتحدث عن موضوع  التربية الحزبية الذي يعتبر الأخطر في حزب النهضة لأن هذا الحزب لم يتجاوز لحد الآن العتبة الحزبية و عقلية الحزب الواحد، فكل شخص يكون محبوس ذاخل هذا القفص لا يمكن أن يخدم مصلحة البلاد بقدر ولائه لحزبه و هذا ما بدأنا نلاحظه في الأسماء المقترحة للحقائب الوزارية من صهر الغنوشي وصولاً للوزير الرياضة "طارق ذياب" الموالي لحزب النهضة و المحبوب في الساحة القطرية ... و بغض النظر عن أن هؤلاء كافأت جديرة أم لا لكن المعيار الأول للإختيار لم يكن الكفاءة بل كان الإنتماء الحزبي .
حزب النهضة اليوم يقوم بتربية و تنشئة المنخرط و المنتمي على أن يكون مطيع و منفذ و موالي ولاءً مطلقاً لقيادته الحزبية مما سينعكس عليه مباشرةً و يصبح دائماً في حالة إنتظار للأوامر و التعليمات و يفقد كل قدرة على المبادرة على أي مستوى من المستويات حتى على مستوى تكوين رأيه في القضايا التي يشاهد ظواهرها يومياً ...فعملية التربية داخل الحزب ترتكز على الولاء و الطاعة و نكران الذات لتتفاقم الهوه بينه و بين واقع الشعب و يصبح هناك نوع من القوقعة لأعضاء الحزب على أنفسهم و وجود كسل في التتبع للقضية العامة كمشاكل الفقر ،الشغل و المظاهرات إضافةً إلى نوع من الرومانسية الحالمة المنفكة والمعبأة بالخطاب التاريخي و بعض الأناشيد الحزبية "في حماك ربنا ، في سبيل ديننا"...فالتفاعل مع القضية العامة يقررها فقط الحزب و كل من يخالف أراء الحزب يعتبر عدو تماماً كعقلية الإدارة  الأمريكية "أنت تعارضني،إذاً أنت إرهابي" و مع الوقت يتولد شعور خفي لدى المنتمي إلى أن الإسلام لن يعود لسابق مجده إلا من خلال هذا الحزب  و هذا في حد ذاته مشكل و له انعكاسات سلبية  أيضاً على الإسلام ،فالإسلام دعوة و دين و حركة اجتماعية ...هناك أيضاً نقاط سلبية أخرى كالتركيز على الحروب الوهمية بين الأحزاب "هذا علماني ، هذا إسلامي " و نسيان المشاكل الحقيقة للشعب
لذلك على حزب النهضة أن يعي أن سياسة التربية الحزبية و الحزب الواحد التي فشلت في العهد البنفسجي و فشلت في الإتحاد السوفياتي لن تنجح ايضاً مع أي حزب آخر .

النهضة حزب إسلامي ليس على الطريق الصحيح : 
من المفروض أن كل حزب يحمل مشروع  اديولوجي واضح يشمل السياسة و الإقتصاد و الإجتماع و باقي مجالات الحياة ،وبما أن النهضة حزب ذو مرجعية إسلامية فمن المفروض أن تكون الاديولوجيا التي يتبعها هي الاديولوجيا الإسلامية و هذا حقيقة غير واضح في حزب النهضة  الذي يحمل مشروع اقتصادي ليبرالي متوحش لا علاقة له أصلا بالمرجعية الإسلامية ولا بالإقتصاد الإسلامي  ومن الصعب أيضاً التفريق بينه و بين أحزاب أخرى علمانية كحزب المؤتمر على سبيل المثال فنحن لم نرى من الإسلام سوى كلمة المرجعية الإسلامية واصبحنا نحس أن النهضة واقعياً هي حزب علماني لكنه ذو مرجعية إسلامية على الورق و هذا النوع من الإسلام يسميه البعض بالإسلام الأمريكي أو اللايت العصري ...يعني أن أول ركيزة للحزب غير واضحة و التي تسببت في أدخال الحزب دائرة التنازلات التي لم يعد يستطيع الخروج منها لأنه لم يضع لنفسه حدود حسب الاديولوجيا التي يسير عليها و أنا هنا لم أطالب بتطبيق الشريعة لكن على الأقل نريد أن نلمس بعض الإسلام حتى ندرك أن هذا الحزب حقاً له مرجعية إسلامية و ليس فقط شعارات لكسب ثقة الشعب
أما الركيزة الثانية حتى يكون الحزب على الطريق الصحيح هي "الحوار" و الحوار ليس فقط مع أبناء الحزب و انصاره بل مع بقية الشعب ،فعلى الحزب إيضاح أفكاره للشعب و اهدافه لكن لو قمنا بطرح سؤال  لعشرة أشخاص من أحباء حزب النهضة ذاته عن أفكار الحزب و اهدافه لن يتجاوز عدد المجيبين الثلاث أشخاص فما بالك بمن ليس من أحباء الحزب ...كذلك للحوار ايجابيات أخرى هو أن يكون الحزب واضح لديه نقاط معينة  مهتم بها  يطرحها على الشعب و على الأحزاب الأخرى لتكون هناك شفافية في أهداف الحزب و وضوح تطلعاته مما يجنبه الحوارات الجانبية كقضايا الوضوء و التيمم و الحجاب التي ما ينفك احزاب اليسار في طرحها لعدم وجود برامج بالنسبة لهم فيبقى الحل الوحيد  هي النقاشات التافهة و التي لن تعكس رغبات الشعب و بسبب عدم وضوح و شفافية الفكر في حزب النهضة و محاولته إرضاء جميع الأطراف ينجر في هذي النقاشات الجانبية
كذلك بفضل الحوار يستطيع الشعب أن يعرف أن برامج الحزب ستعكس رغباته في المحاسبة ، الشغل... لكن بما أن حزب النهضة لا يعرف من الحوار سوى ملء الستادات و القاعات الرياضية و الأناشيد و رفع أعلام فلسطين لم يتصور الشعب أن هذا الحزب أو الخليفة السادس "الجبالي" سيقوم بوضع الحبيب الصيد مستشار برتبة وزير للحكومة رغم أن الشعب كان ينتظر من النهضة أن تقوم بتطهير الداخلية لكنها الآن تقوم بتبرير تجاوزات الصيد و تعتبر أن الحقد إتجاه الصيد مبني على بعض الإنطباعات و لا توجد أي حجة تدينه و الشعب يعلم أن الصيد هو نفسه من إستعمل البوليس السياسي في حادثة افريكا الشهيرة و أصحاب اللحي الإصطناعية هو نفسه من إستعمل عصاباته من البوليس لضرب الأطفال و النساء و الصحافيين ...هو نفسه من سجن الفرياني في عهد وزارته عدة أشهر لقمع حريته في التعبير ،هو نفسه من مازال يمارس العمل المخابراتي و الضغط على الفرياني ،هو نفسه من إنتهك حرمة المساجد و اعتدى على شباب الثورة و الشيوخ وسط المسجد و أعتقل البعض منهم و اعتبرهم مخربين ...هذا دون الحديث عن طرح الخليفة السادس إسم الباجي قائد السبسي من بين المرشحين لرئاسة الجمهورية ... أنا أتساءل، كيف تعتبر النهضة نفسها في الطريق الصحيح و هي لا تعكس رغبة شباب الثورة و أهداف الثورة؟ لا بل تستعمل الخطابات الخشبية لتبرير سياستها كالأعذار الواهية التي تقدمها بخصوص موضوع الصيد !!
حتى داخل الحزب تنعدم سياسة الحوار بين القيادة و الشباب و لا توجد سوى الحوارت الصورية لإقناع الشباب أنهم مشاركون في طرح أفكارهم بل ستجد أن تشريك الشباب في هذا الحزب مقتصر على تنظيم الحفلات و وضع الكراسي و التنظيف و دورات الماراطون و تفرقة بطاقات الحزب يعني أن تشريك الشباب ليس إلا كذبة و ليست هناك حوارات يمكن للشباب فيها أن يقترح و تطبق إقتراحاته إن كانت جيدة، فعقلية الحوار منعدمة و أنا هنا لا اتحدث عن الحوارات و الإجتماعات الصورية
بهذه الطريقة و بفقدان عقلية الحوار بين النهضة و الشعب الذي لم يعد يفهم هذا الحزب و لم يجد أحد يفسر له أسباب هذا الخذلان لمطالبه الثورية ... ستكبر الهوة بينهما لأن الشعب مل من هذه الأساليب البنفسجية و الخاسر الوحيد هي النهضة إن بقيت تنتهج عدم الشفافية و دكتاتورية قيادتها
النقطة الأخيرة و الركيزة الثالثة التي يفتقدها حزب النهضة هو النقد الذاتي و التقييم الموضوعي للحزب ،فمكتبة النهضة لا نجد فيها  تقييم موضوعي للحزب يبين الأخطاء المرتكبة سابقاً و التي يجب التفطن اليها في الحاضر حتى تكون النظرة المستقبلية أفضل و حتى يطلع عليها أبناء الحزب الجدد و الراغبين في التعرف على تاريخ الحزب و كذلك حتى لا يصاب أبناء الحزب بنزعة التعصب و الغلو واعتبار كل من ينتقدهم أما مراهق سياسي أو احمق و في بعض الأحيان عدو الإسلام و هذه النزعة أو العقلية تزدهر إلا عند غياب الوعي بالتاريخ و الفكر و الواقع و هي نزعة ليست من الدين في شيئ

 هذه بعض انتقاداتي لحزب النهضة التي لم اتحدث فيها بتعمق كالاقتصاد و السياسة الراسمالية المتوحشة -النيوليبرالية - التي ينوي الحزب أن يضعنا فيها أو سياسة وضع الإشاعة و إنتظار ردة الفعل...و أشهد للجميع أني مسلم أحب ديني و لست كافر أو عميل صهيوني ماسوني  صفر فاصل من ايتام فرنسا  
إقرأ المزيد... Résuméabuiyad

Newer Posts Older Posts