احزاب من وزن الريشة

تعيش تونس منعطفا تاريخيا ستكون له انعكاسات كبيرة في المستقبل على كل الأصعدة و المستويات. لكن الأحزاب المعارضة أثبت طوال 8 أشهر أنها احزاب من وزن الريشة ، تنقصها تجربة سياسية كبيرة في مثل هذه الوضعيات و التحديات (مانيش نحكي على رفع التحديات متع زعبع ) لإنجاح الإنتقال الديمقراطي و التحول من نظام دكتاتوري إلى نظام ديمقراطي إعتماداً على مفاهيم الديمقراطية الحقيقية ، فالحال الذي نحن فيه الآن من فوضى سياسية عارمة تتحمل فيه هذه الأحزاب القسط الكبير إضافةً الى نقص الثقافة السياسية للشعب الذي لا يمكن لأي طرف أن يلومه ، فهو الذي قدم الكثير و الكثير في هذه الثورة ...لكن اللوم يوجه إلى احزاب المعارضة التي لم تستطع  تشخيص الداء و إيجاد العلاج المناسب للقضاء على بقايا النظام .

 فعندما فوجئنا بفؤاد المبزع رئيس لتونس بصفة موقتة مع العلم أنه وجه معتق في النظام التونسي خلال عهدي المخلوع الأول الحبيب بورقيبة و خلفه المطاح به بن علي و يعد المبزع كذلك الطاعن في السن من المحسوبين على الأوفياء لبن علي... فوجئنا أكثر لصمت الأحزاب المعارضة على هذه المهزلة و قبول هذا المجرم زعيماً للثورة بدل وضعه في السجن حتى يهتم القضاء بأمره و يعد هذا الصمت الخطوة الأولى لإنبطح الأحزاب المعارضة أمام النظام القديم مؤكدين بصوت عالٍ سذاجتهم لأنهم قدموا فرصة إنقاذ مجرمي النظام السابق بتوفير الوقت اللازم لإخفاء كل أدلة تورطهم...و يعود كل هذا إلى عدة أسباب من أهمها قلة ثقة الأحزاب في انفسها و نقص التجربة -أكثر من 23 سنة إنقطاع عن ممارسة السياسة- ... فقد كان من المفروض في مثل هذه الوضعيات وجود إتفاق بين مختلف الأطياف السياسية على عدم قبول هذه الحكومة و طرح بديل الحكومة التكنوقراطية من أجل حل الخلافات السياسية و المعروف أن الحكومات التكنوقراطية تأتي دوما إلى الحكم في الأوقات الانتقالية لعدم وجود حزب حاصل على الأغلبية مما يمكنه من تشكيل حكومة و هي تؤدي دورين، الأول هو إدارة البلاد بحكم خبرة كل وزير في مجال تخصصه ، والثاني أن تحكم بحياد ، لعدم وجود انتماءات سياسية لأعضائها ، فالحكومة التكنوقراطية هي حكومة محايدة و لا ينتمي وزراءها إلى أحزاب سياسية، ويكون كل وزير فيها متخصص في مجال وزارته :مثلاً أفضل طبيب تونسي يتم الإتفاق عليه يمسك وزارة الصحة ، أفضل دكتور إقتصاد يهتم بالأمور الإقتصادية للدولة ...و من أجل ضمان اكبر قدر من استقلالية الشخص الذي يتم تعيينه يجب أن تضاف شروط أخرى وهي أن يكون المرشح مستقلا من الناحية السياسية وغير حائز على جنسية بلد أخر غير تونس و غير مرتبط بأي عمل قد يؤثر على استقلاليته المهنية و الوطنية  و لم لا وضع لجنة تراقب استقلالية هؤلاء...يعني أن هذه الحكومة التكنوقراطية ستقطع مع النظام السابق نهائياً و ستقوم بوضع آليات الإنتقال الديمقراطي التي ستتوج بإنتخابات نزيهة لمجلس تأسيسي يقوم بوضع دستور جديد للبلاد ...لكن إن عدنا و درسنا ما قام به فؤاد المبزع رئيس برلمان بن علي السابق ومن ورائه حكومة الظل سنجده هو من قام بتعين حكومة الغنوشي و بالتالي ستبقى السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة بيد أركان النظام النوفمبري و هو ما لا يخدم الثورة بأي حال من الأحوال ، فقد كنا متجهين نحو إنقلاب ديمقراطي بسرعة البرق بانتخاب رئيس جمهورية و برلمان يكرسان رغبات النظام السابق ...كل هذا كان يحصل أمام سذاجة لا توصف لأحزاب همها الوحيد إجراء إنتخابات و الحصول على كراسي ...لكن شباب الثورة اثبتوا أنهم أفضل جيل شهدته تونس رغم قلة ممارستهم للسياسة فأحبطوا مخطط حكومة الغنوشي و أسقطوها في إعتصام القصبة 2، إلا أن الأحزاب الساذجة اثبتت مرة أخرى أنها لا تستطيع مقاومة طعم الكراسي و ساهمت في عدم انجاح هذا الأنجاز و كانت العائق نحو القضاء على بقايا النظام ، فهي التي تسللت في إعتصام القصبة 2 و نشرت فكرة المجلس التأسيسي في عقول شباب الإعتصام إلى أن وافقت الحكومة على هذا المطلب فقد كان بمثابة حبل النجاة للنظام السابق الذي كان يحتضر و استبدلت حكومة الغنوشي النوفمبرية بحكومة السبسي الدكتاتورية التجمعية . و موافقة أغلب الأحزاب على هذه الحكومة يثبت مرة أخرى أنها احزاب ساذجة لا تستطيع إخفاء لعابها أمام رائحة الكراسي و المجلس التأسيسي و بعض وعود الإستقرار السياسي...فلو كانت هذه الأحزاب تتمتع بالخبرة في ميدان السياسة لا قامت بدورها التوعوي لشباب الإعتصام بضرورة عدم الموافقة على حكومة السبسي و طرح حل حكومة التكنوقراط التي ستقوم بإسقاط النظام نهائيا ، لكن للأسف صورة الكرسي كانت لا تغادر مخيلة هذه الأحزاب لذلك صرحوا بشرعية حكومة السبسي الذي كان يستبله فيهم و يعدهم بإنتخابات المجلس التأسيسي ثم يضحك عليهم أكثر و يؤجل هذه الإنتخابات و الله أعلم أن كان ينوي حقاً إنجاز الإنتخابات في 23 أكتوبر و لا ننسى أنهم كانوا موافقين على دخول احزاب التجمع الانتخبات و رفضهم و إستنكارهم الشديد إلى فكرة اقصائهم سياسياً هههه
 لكن الغريب في الأمر أن هذه الأحزاب البلهاء التي اضاعت فرصتين سابقتين للقضاء على النظام، تأتي الآن و تستنكر فكرة إستفتاء الخداع التي ضهرت في الأيام الفارطة رغم أنهم مهدوا كل الطرق لهذه المهازل و الفوضى السياسية ...فالمجلس التأسيسي يهدف إلى صياغة دستور للبلاد يرقى لطموح الشعب في الديمقراطية و التعددية السياسية قوامه حكم الشعب للشعب يعني إسمه على جسمه ، مجلس تأسيسي يؤسس دستور . ففي 3 مارس2011 أعلن الرئيس المؤقت قائد الثورة العظيم فؤاد المبزع في بيان للشعب التونسي إلغاء الدستور و إحداث المجلس التأسيسي ليضع دستورا جديدا للبلاد التونسية ...يعني أن كل الأحزاب كانت موافقة على أهداف هذا المجلس بتأسيس دستور جديد للبلاد و بالعودة إلى العناوين السياسية الصادرة في هذا الباب ذكر مؤلف كتاب المجلس القومي التاسيسي التونسي الولادة العسيرة لدستور جوان 1959 عبد الجليل بوقرة انه" خلافا للجمعية التاسيسية للجمهورية الرابعة الفرنسية التي سمح لها قانون20 نوفمبر1945 بامكانية التشريع في حدود ضيقة حدد الامر العلي المؤرخ في29 ديسمبر 1955 مهمة المجلس القومي التاسيسي التونسي في وضع دستور في اطار الملكية الدستورية يتولى الباي ختمه واصداره كدستور للملكة"، وهو ما يعني أن للمجلس التاسيسي وظيفة محددة وهي وضع دستور فقط ولا يحق له تشريع القوانين او مراقبة الحكومة. وقد خلف هذا الامر حالة من الخصومة بين حبيب بورقيبة وجماعته و الباي و ادى الامر في النهاية إلى انقلاب بورقيبة على مبدا العمل الدستوري للمجلس التاسيسي و هو ما شرع فيما بعد الحكم المطلق للمخلوع الراحل و احادية المنهج السياسي في تونس. و لو بحثنا عن مفهوم المجلس التأسيسي بالنسبة للشعب نجد استبياناً للرأي أن نحو 60 بالمائة من التونسيين لا يعرفون مفهوم ودور المجلس التأسيسي المقرر انتخابه يوم 23 أكتوبر القادم زد على ذلك أن نحو70 بالمائة من التونسيين مستاؤون من أداء الأحزاب البالغ عددها 107 حزبا من اليسار إلى اليمين...و أنا شخصياً لا استغرب حالة التشاؤم و الاستياء التي عبر عنها التونسيين الذين شملهم الاستبيان ،فهي ردة فعل عادية في ظل تراجع الدور الاساسي للأحزاب و انحصار دورهم في الدعوة إلى الانتخابات او بيانات يتيمة مع كل حدث تسجله البلاد بالاضافة إلى بحثهم الدائم عن مصالحهم الحزبية الضيقة دون التفات للمواطن والدفاع عن خبزه اليومي وما يعيشه يوميا من اشكاليات حقيقية وان حصل الدفاع عنه فهو ياتي من باب المزايدة السياسية التي باتت مكشوفة للجميع . لقد كان وضع حكومة السبسي أو غيرها من المحسوبين على التجمع و كذلك إستفتاء الخداع  مخطط له منذ البداية لكن هذه الأحزاب الحمقاء  لم تبرز من البداية الغاية من هذا المجلس التأسيسي و لم تتفطن لخطر حكومة السبسي التي لا شك أنها لن تترك أي فرصة لمحاسبة التجمعيين والآن فجأة بعد خروج خبر الإستفتاء أصبح دور هذه الأحزاب ليلاً نهاراً إبراز و توعية المواطن على مفهوم هذا المجلس التأسيسي وهي صياغة الدستور وتعيين حكومة مؤقتة وتعيين رئيس مؤقت بالاضافة إلى دوره في اصلاح منظومة التشريعات والاعداد لانتخابات رئاسية وتشريعية. لكن هيهات دور التوعية التي لم تلعبه هذه الأحزاب منذ يوم 14 جانفي لم يعد مجدي في أقل من 50 يوم على الإنتخابات -الدوسيات تحرقت و كل شيء تخبى- و الآن تحصد هذه الأحزاب ما زرعته من غباء و ها هي قد ابتلعت الطعم الذي اعدته لهم حكومة السبسي حتى تواصل عملها جنباً إلى جنب مع المجلس التأسيسي أو بوضع حكومة جديدة لن تجد أي أثر لفساد رجال النظام السابق و يمكن إعتبار هذه الخطة أجرء محاولة للالتفاف على الثورة و بقاء النظام القديم بكل قوة .

 يعني كل هذه التطورات تأكد دوما سذاجة احزاب المعارضة التي قيدت الشعب التونسي و جعلت سقف مطالبه تتجه بوتيرة منخفضة عكس الإصلاح الشامل من مطلب إسقاط النظام إلي إسقاط الحكومة ثم إسقاط التجمع ثم إسقاط الفساد ثم إسقاط لجان الفساد ثم إسقاط التزوير و الآن إسقاط الإستفتاء ... فمتى تفهم هذه الأحزاب و تدرك أن إسقاط النظام لا يكون فقط بالإنتخابات بل بالقطيعة اولا مع رجال التجمع ثم وضع حكومة تكنوقراط تكرس جميع آليات الإنتقال الديمقراطي و تقطع نهائياً مع الماضي ؟

10 commentaires:

أسامة . oussama a dit…

مقال رائع تحياتي

Unknown a dit…

شكرا ، في المقال القادم إن شاء الله

Anonyme a dit…

فكرة المجلس التأسيسي كانت مطروحة من القصبة1 و هي اقتراح السيد أحمد المستيري والناس اللي كانت مواكبة الأحداث وقتها رحبت بيها و علقت عليه أمالها.

Unknown a dit…

@Anonyme: لا مش صحيح مطلب المجلس التأسيسي ترفع في القصبة 2

Anonyme a dit…

تو كي نلقا الدليل على كلامي نحطهولك.المهم مقالك يلخص الواقع اللي نعيشو فيه توا أما فيه شوية تشائم.حسب رأيي كيما صارت الثورة بلاش الأحزاب تجم تكمل بلاش الأحزاب.و ربي يبارك فيك

Sanchez a dit…

يعطيك الصحة على المقال ، تحليل جيد للوضع الحالي

zahra a dit…

c'est intérressant

Anonyme a dit…

تحليل جيد ....

متمرد وطني a dit…

صحيح الأحزاب في تونس لا تريد أن تكون في وجه المدفع ، لكنها لا تمانع من الركوب على الأحداث

Smooth drug a dit…

t'as tout résumé .. une analyse professionnelle, bravo!

Enregistrer un commentaire

في انتظار تعاليقكم
J'attend vos commentaires

Newer Posts Older Posts